برامجنا

الزواج بالإكراه: آفة تأكل صغيرات اليمن

راديو يمن تايمز

س ح ر فتاة في السادسة عشرة من عمرها أكرهت على الزواج من شخص يكبرها، حاولت انهاء الزواج لكنها لم تستطع، ففرت الى جحيم آخر.

التقت برجل آخر استغل حادثة هروبها وعدم ادراكها لما فعلته فأوهمها انها صارت مطلقة ويمكنها الزواج منه فهو يريد الزواج بها فأحضر هذا الشخص قاض مزيف وشهود مزيفين لإيهامها أنها تزوجته

بعد فترة من الزمن عثرت الشرطة عليها واعترفت أنها فرت من بيت زوجها وأنها الآن متزوجة من شخص آخر.

أنكر هذ الشخص ماقام به من خديعة لها وقال انه لم يعرف انها ما زالت متزوجة. وجهت اليها المحكمة تهمة “زنا محصنة” وحكم قاضي المحكمة الابتدائية برجم الفتاة حتى الموت وهي لاتعرف ما الذي فعلته وما الذي يحصل لها.

وكان راديو يمن تايمز ناقش في إحدى حلقات برنامج بيني وبينك الخاص بحقوق المرأة ، موضوع ” الزواج بالإكراه زواج الصغيرات” حيث استضاف في الحلقة كلا من: المحامية ياسمين الصبري، والشيخ عبدالمجيد صالح.

الحلقة التي بدأت بتعريف الزواج القسري ومسببات انتشاره في اليمن حيث عرفت ضيفة الحلقة المحامية ياسمين الصبري الزواج القسري بأنه ” أحد اشكال الزواج الذي يتم على الرغم من رفض أحد او كلا الطرفين هذه الزيجة وإبرام القران بالإكراه. ولا زال هذا النوع من الزواج منتشرا في كثير من المناطق في اليمن رغم وجود النصوص الدينية الواضحة والقوانين التي تدل على حرية المرأة في اختيار شريك حياتها وفي رفضه أو قبوله”.

وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ان للمرأة مطلق الحرية في اختيار الزوج المناسب دون قهر أو إجبار وأن هذا الأمر هو جوهري لا يمكن التهاون فيه نظرا لارتباطه بصورة مباشرة بحياتها الخاصة ومستقبلها وكرامتها أيضا.

وفي عام 2013 تم اعتماد اول قرار لمكافحة الزواج بالإكراه من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وأتخذ القرار بناء على العديد من الجوانب كإحتواء الزواج بالاكراه على انتهاكات صريحة لحقوق الانسان وقد تصل تلك الانتهاكات الى حرمان الافراد من الحياة بصورة سليمة خالية من جميع اشكال العنف. بالإضافة الى حرمانهم من بعض حقوقهم الأساسية كحق التعليم والتمتع بأعلى مستوى من الصحة بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية. وينص هذا القرار ايضا على ضرورة النظر في انهاء هذه القضية بشكل كامل في خطط التنمية.

اما في القانون للأحوال الشخصية فالمادة 10 من الفصل الأول “تؤكد صراحة أن كل عقد بنى على اكراه الزوج أو الزوجة يعتبر عقدا باطلا”.

لماذا تجبر القاصر على الزواج

تقول المحامية ياسمين الصبري أن هناك اسبابا إجتماعية وثقافية وقانونية لإكراه المرأة على الزواج.

” فالموروث الثقافي الذي يشمل التفسيرات الدينية والمفاهيم المجتمعية قد كرس للعنف ضد المرأة خاصة في الإكراه على الزواج، بعض المفاهيم الثقافية مثل مفهوم الستر والعار جعل مسألة تزويج الفتاة ولو بالإكراه هو من أجل الحفاظ عليها لا سيما في ظل الشعور لدى المجتمع بأن المرأة ناقصة الأهلية وقد تكون غير واعية أو غير مدركة لتصرفاتها.

كما أن مسألة الحفاظ على الإرث جعل من المرأة جزءا من الممتلكات. أحد هذه المظاهر هو زواج الأرملة بأخ زوجها من أجل الحفاظ على الإرث وتربية الأبناء. وفي هذه الحالة قد يكون الطرفين مكرهين على الزواج وتتفاقم مشاكل أسرية تؤدي إلى الطلاق.

تتابع المحامية قولها بأن ” الزواج عقد تنشأ عليه مسؤوليات على كلى الطرفين وقوام هذا العقد هو التراضي والعشرة الحسنة كما جاء في نص قانون الأحوال الشخصية بأن “عقد الزواج هو ارتباط ينشأ عنه اسرة قوامها العشرة الحسنة” وبالتالي المودة والرحمة في هذه الأسرة. لا نتوقع ان توجد عشرة حسنة في حالة اكراه أحد الطرفين للعيش مع الطرف الآخر”.

البكروالثيب

يقول الشيخ عبدالمجيد صالح أنه لو بحثنا في نصوص الشريعة الإسلامية حول التعامل مع المرأة في الأحاديث النبوية والمواقف التي ثبتت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم نجد دقة وحذر شديد في التعامل مع المرأة باللين والعطف والحنان.

ويستعجب الشيخ عبد المجيد من ولي المرأة الذي يدللها في كل شيء ولكن عند تزويجها وهو الذي يترتب عليه أمور نفسية عليها وعلى المجتمع فتجده يتناسى جميع النصوص الإسلامية التي ترد في ذلك. والدين الإسلامي فرق بين المرأة البكر والمرأة الأيم (التي سبق لها الزواج) وراعى أيضا أنه من الضرورة أن توافق المرأة على الزواج.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث “لاتنكح الأيم حتى تستأمر” أي لا يمكن أن يعقد النكاح مالم تستأذن المرأة. وقال “والبكر تستأذن” فقالوا يارسول الله كيف تستأذن قال “اذنها سكوتها”. وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يبطل الزواج إذا لم تكن المرأة موافقة على ذلك.

اشترط الدين الاسلامي رضا المرأة وهو الأولى والأهم ثم بعد ذلك رضا ولي المرأة ومراعاة مصلحتها. يقول النبي صلى الله عليه وسلم “لا نكاح إلا بولي” يعني لابد ان يكون للمرأة ولي وأن يشهد العقد ويحرص على مصلحة ابنته في ذلك ويكون رضاه من المعول عليه شرعا.

يتابع الشيخ عبدالمجيد قائلا أوجه رسالة أيضا للرجل الذي سيتزوج وهو يعلم أن هذه المرأة لا توافق على الزواج فكيف سيرضى على نفسه أن يأخذ امرأة عنوة وكيف سيعيش معها حياة المودة والرحمة التي أمرت بها الشريعة الإسلامية. فالدين الإسلامي واضح في ذلك ووضع شرطا واضحا في أن رضا المرأة البكر أو المرأة الأيم مطلوب في الشرع ولا يصح عقد الزواج إلا بهذا الشرط.

سكوت البكر بسبب خوفها وليس رضاها

حول السكوت بسبب الخوف يقول الشيخ عبدالمجيد أن المرأة الغالب فيها هو الحياء وعندما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان اذنها سكوتها ذكره في معرض الحياء. أما اذا كان سكوتها بسبب الخوف أو التهديد فيحق للمرأة ان تقول صراحة نعم أو لا. هذه من الحقوق التي شرعها  الدين الإسلامي. فكما شرع لولي الأمر الحق في الرفض شرع لها أيضا الحق في الرفض.

لابد للمجتمع من وعاظ ومرشدين أن يوعوا المرأة بحقوقها. فالمرأة ظلمت مابين المناداة بالحرية التامة ومابين منعها حقوقها في الحياة والحرية المقيدة وابداء الرأي وغير ذلك.

سطوة الثقافة الذكورية

تتابع المحامية ياسمين الحديث أن النصوص الدينية لم تكره المرأة على الزواج ولكن تلك النصوص تلقفتها الثقافة الذكورية. فمن يقومون بصياغة التشريعات هم في الغالب ذكور. أذكر أن مؤتمر الحوار خرج بتوصيات في تحديد سن زواج الصغيرات فقامت جمعيات ومؤسسات بمظاهرات من نساء حيث سيطر الفكر الذكوري على عقل المرأة فخرجت في مظاهرات ترفض تحديد سن زواج الفتيات.

المرأة ضحية للإذلال والابتزاز

تتحدث المحامية ياسمين حول المساواة بين الذكور والاناث وتقول أنه في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات التي تلت ذلك الاعلان تحدث عن حرية اختيار الزوج وانعقاد الزواج برضا الطرفين وأنه يحق للمرأة أن تبرم عقد الزواج على قدم المساواة مع الرجل. لكن نلاحظ في بعض الأحيان أن اشتراط الولي قد يؤثر في ذلك, وبرأيي الشخصي انه اذا كان من حق المرأة أن تبرم العقود النفعية مثل عقود البيع والشراء والاستئجار فلماذا لا يحق لها ذلك في بعقد الزواج.

والأسوأ من ذلك أن المرأة تتعرض للانتهاك والإذلال والابتزاز للبحث عن ولي. فقد يكون ابو المرأة أو اخوها متوفي وقد يكون هناك قطيعة مع الاقارب فلا تجد المرأة من يقوم مقام الولي لعقد الزواج مثلا وإن كانت دكتورة او استاذة جامعة وما إلى ذلك.

وحتى في حالة استخراج وثيقة شخصية لابد من وجود الرجل فتظل المرأة تابعة للرجل في كل تصرفات الحياة وهذا يرسخ مسألة الأهلية بمعنى ان المرأة ناقصة للأهلية وناقصة للتصرف وهذا شيء محزن. وإذا لم تجد المرأة وليا فقد تضطر ترفع دعوى للقاضي لاثبات عدم وجود ولي ليقوم القاضي مقام الولي حتى تبرم عقد زواج وهذه إجراءات طويلة جدا ومرهقة للمرأة.

زواج القاصرات في اليمن

تتحدث المحامية ياسمين عن زواج الصغيرات وتقول أنه غالبا ما يصاحبه الإكراه أو الاغراء. فالفتاة الصغيرة لا تعرف عواقب ومسؤوليات الزواج من اعتناء بالزوج والمنزل والاطفال وهي أمور متعبة للكبيرات فما بالك بالصغيرات القاصرات خصوصا المرأة الريفية التي تعاني الأمرين.

من عواقب الزواج بالإكراه حرمان المرأة من الحياة. فقد تتعرض لعنف جنسي ونفسي وعاطفي قد يفضي الى الموت أو فقدانها ثقتها بنفسها. ماذا تتوقع امن امرأة بهذه الحالة النفسية والعصبية وكيف يمكن لها ان تبنى اسرة وتغرس في اولادها المحبة والثقة بالنفس. هذي عواقب خطيرة ولا اعتقد أن الولي الذي يعقد لابنته بالاكراه يلقي بالا هذه التبعات بسبب الجهل أو الطمع.

كما ان الزواج القسري قد يستخدم في تسوية النزاعات بين القبائل والعشائر العربية. ومن ناحية اخرى قد تجبر المرأة على الزواج من مغتصبها ومن اجل تغطية العيب او الفضيحة.

دورالقانون اليمني في انصاف المرأة

تتحدث المحامية ياسمين عن دور القانون قائلة أنه ينبغي ان نفرق بين الممارسات التي تتم وبين النصوص القانونية. القانون اليمني في مجمله يوفر حماية الى حد ما للمرأة ولكن اشتراط وجود الولي والاجراءات التي تتم عند تقرير المرأة لمسألة الزواج هذه فيها اجراءات مطولة. مثل الاجراءات القضائية الانتهاكات الممنهجة التي تمارسها المحاكم ودور القضاء في حال رغبة المرأة في فسخ عقد الزواج.

يمكن للرجل ان يطلق المرأة برسالة sms او بمجرد كلمة. بينما المرأة حينما تريد انهاء علاقة الزواج المبنية اساسا على خطأ تظل تكافح من اجل الطلاق سنين طوال امام المحاكم. هذه الاجراءات تجعل المجتمع ينظر الى المرأة نظرة لاتخلو من الازدراء وسوء النية ويوصم المرأة بسمعة سيئة.

معالجة الزواج بالإكراه

تقول المحامية ياسمين أن الحلول تشمل في تشريعات ونصوص قانونية تحمي حق المرأة في حرية الاختيار وإيجاد نص تشريعي يعاقب المكره بحسب جسامة الإكراه وأيضا توعية المجتمع وتوعية البنات فبالنظر في الاسباب تولد الحلول.

شخصية مناضلة – نجود علي

نجود من النساء التي اجبرت على الزواج وتزوجت في سن صغيرة. صارت نجود ورمز شجاعة في محاربة الزواج بالاكراه في اليمن.  ففي العاشرة من عمرها طلقت زوجها الذي يكبرها بعشرين عاما وهو أمر خالف العادات والتقاليد اليمنية. وفي نوفمبر من 2008 منحت مجلة جلامور نجود علي ومحاميتها شذى ناصر لقب “نساء السنة.” وقد اشاد بشجاعة نجود نساء رفيعات المستوى مثل هيلاري كلنتن وكونداليزا رايس.

الفت نجود في عام 2009 بمعاونة الصحيفية الفرنسية دلفينا كتاب يحكي سيرتها الذاتية ومعاناتها كأصغر طفلة مطلقة في العالم. اسم الكتاب “أنا نجود ابلغ العاشرة ومطلقة” الكتاب يحكي قصتها مع الزواج المبكر وتعسف والدها وجهل المجتمع الريفي . ترجم الكتاب الى اكثر من 16 لغة ونشر في اكثر من 35 بلد.

وتكفلت دار النشر بتكاليف دراسة نجود وتوفير منزل لها من المبيعات إلا ان نجود لم تكمل دراستها. وبعد فترة وجيزة طردها والدها من البيت ليتزوج مرة اخرى بعد ان استحوذ على المصروف الشهري الذي تبعثه دار النشر لها والذي يبلغ 1000 دولار. كان يعطيها فقط 50 دولار احيانا>

ذكرت نجود ايضا ان والدها يريد تزويج اختها التي تصغرها الى شخص اكبر منها بعقود. الكتاب ترجم ايضا الى فلم سينمائي بقيادة المخرجة خديجة السلامي وحصل على جوائز متعددة في ملتقى دبي السينمائي ثم رشح لجائزة الاوسكار العالمية.

دشن راديو يمن تايمز برنامج بيني وبينك مطلع العام 2020 لمناقشة حقوق وقضايا المرأة اليمنية.


صورة الغلاف: ستيفاني سنكلير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *