أخبار
الإيجارات في صنعاء تخطّت المعقول.. هل تضبطها التعديلات القانونية؟
راديو يمن تايمز
سيناء خالد
راديو يمن تايمز
في حي السنينه بصنعاء، تسكن أيناس غازي في شقة مكوّنة من غرفة واحدة فقط، وهي المعيلة لأسرتها ولزوجها المريض الذي لا يستطيع العمل. تدفع غازي 15 ألف ريال يمني مقابل غرفة لا تتجاوز مساحتها الثلاثة أمتار. كان هذا قبل أشهر. أما اليوم، فقد ارتفعت قيمة الإيجار بنسبة مئة في المئة، حيث تبلغ الكلفة 30 ألف ريال، أي ما يعادل 50 دولار.
تروي غازي معاناتها بسبب ارتفاع الإيجار قائلة ليمن تايمز: “ذهبت لعاقل الحارة وقدّمت شكوى ضد المؤجر لأني غير قادرة على دفع هذا المبلغ، فلم ينصفني. بعدها ذهبت إلى قسم الشرطة، لكني تراجعت تحسباً لارتفاع كلفة رسوم إكمال الإجراءات، بعدما سمعت أن مستأجرين كثر يشكون من نفس الأمر، فما كان بي إلا أن قررت دفع مبلغ الإجراءات التي سوف أضطر لدفعها لصاحب البيت.. فـ”من قال حقي غلب”
غازي هي واحدة من آلاف اليمنيين الذين يعانون من ارتفاع الإيجارات بشكل كبير في الفترة الأخيرة، في ظل الظروف التي تشهدها البلاد حيث انهارت العملة الوطنية وكثر النزوح إلى العاصمة صنعاء بسبب الحرب الدائرة في الكثير من المناطق اليمنية.
أخذت ظاهرة ارتفاع الإيجارات تتفاقم خلال السنوات الأخيرة، مع ارتفاع أعداد النازحين من مختلف المدن التي تشهد مواجهات عسكرية إلى مدن أخرى تشهد استقراراً نسبياً، كما هو الحال في صنعاء. وقد دفع ذاك الضغط السكاني المؤجرين إلى رفع الأسعار، إذ إنهم يربطونه بانهيار العملة الوطنية.
شكوى مريرة
المدرس خالد المذحجي، وهو مستأجر آخر، يشير إلى أن توقف صرف الرواتب للمعلمين لأكثر من خمس سنوات أدى إلى عجزه عن دفع الإيجار، خصوصاً أن المؤجر رفع التكلفة بما يقارب الضعفين في أقل من 4 سنوات، من دون أي مراعاة لظروفه، علماً بأن خالد يسكن الشقة نفسها منذ 15 عام، وعلماً بأن المالك لم يرفع الإيجار في السابق إلا مرتين.
يتحدث المذحجي ليمن تايمز: “حاولت الخروج من المنزل والبحث عن آخر بسبب المضايقات التي تعرضت لها من صاحب البيت، الذي دأب على إغلاق الماء والباب. لكن أسعار الشقق السكنية في أمانة العاصمة مبالغ بها”.
لدينا 1493 حياً سكنياً، وكنا نتلقى من غير مبالغة ما يقارب الألف شكوى يومياً، وهذا ما دعا القيادة الثورية وحكومة الإنقاذ بصنعاء إلى اتخاذ موقف صارم للجم المؤجرين الجشعين، مفاده تعديل قانون المؤجر والمستأجر
ويتمنى المذحجي من الحكومة في صنعاء أن تفرض على المؤجرين تخفيض الإيجارات فعلياً، لا أن تكتفي بقرارات هي في الحقيقة “حبر على ورق”. فضريبة الحرب لا يتحمل مسؤوليتها الموظف الحكومي الذي حُرم من راتبه فقط، بل الجميع، بمن فيهم المؤجر.
وفي ظل أزمة انقطاع المرتبات التي تأثر بها معظم موظفي القطاع الحكومي في اليمن منذ 2016، أثقل ارتفاع الإيجار كاهل معيلي الأسر في العاصمة صنعاء، فاكتظت المحاكم والنيابات بقضايا المستأجرين.
تعديلات دستورية لقانون المؤجر والمستأجر
تقول الجهات المعنية إنها واجهت صعوبات في إحصاء عدد شكاوى المستأجرين، ويذكر قناف المراني، وكيل أمانة العاصمة لقطاع شؤون الأحياء، ليمن تايمز “أن قرار رئيس حكومة صنعاء الصادر في 2019، بمراعاة أوضاع المستأجرين، كان آنياً وعاجلاً وله عدة مسارات ابتداء من عاقل الحارة الذي يحاول إصلاح الموضوع بشكل ودي، وأذا رفض المالك ينتقل الموضوع للقسم أو المنطقة الأمنية من ثم المديرية، وبعدها إلى قطاع شؤون الأحياء وعمليات أمانة العاصمة”، وأستمرت إلى 22 نوفمبر 2021 عندما تم تعديل قانون المؤجر والمستأجر.
ويتحدث المراني بتفصيل أكثر قائلاً: “لدينا 1493 حياً سكنياً، وكنا نتلقى من غير مبالغة ما يقارب الألف شكوى يومياً، وهذا ما دعا القيادة الثورية وحكومة الإنقاذ بصنعاء إلى اتخاذ موقف صارم للجم المؤجرين الجشعين، مفاده تعديل قانون المؤجر والمستأجر”.
يضيف المراني “الآن صدرت تعديلات دستورية لقانون المؤجر والمستأجر. لذلك، لا ينبغي أن يأتي المستأجر بشكواه إلينا، إذ إن مهمتنا انتهت. الآن عليه أن يتقدم إلى النيابة أو المحكمة المختصة لضبط المؤجر الجشع والمغالي، على اعتبار أننا كنا نعمل بصورة استثنائية وطارئة وفق توجيهات القيادة الثورية ورئيس حكومة الإنقاذ. ونحن نستقبل الاتصالات عبر الأرقام الأربعة التالي 285111 و 289111 و 776616614 و 776616615، وندلّ المتصل على الجهة المعنية باستقبال شكواه”.
وفي 22 نوفمبر 2021م، أقر مجلس النواب في صنعاء تعديلاً للقانون رقم (22) لسنة 2006م بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وذلك بعد اعتماد ما جاء في رسالة مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى في حكومة صنعاء، حيث سيسري العمل بالقانون الجديد إلى حين انتهاء الحرب والحصار، بما يكفل حماية المستأجرين وفقاٌ لشروط العقد المتقابلة بين المؤجر والمستأجر.
ويعتمد كثير من ملاك البيوت على عائدات إيجارات البيوت كمصدر دخل وحيد في ظل غياب الرواتب الحكومية منذ سنوات وفقا لـ أ. ص. مضيفا “يستثمر عدد من ملاك العقارات أموالهم في بناء البيوت وتأجيرها ولذلك فهي المصدر الوحيد لدخلهم إلا أن بعضهم بالغ في رفع الإيجارات لا مبالين بالوضع المالي للمستأجر.”
وعن التعديلات في القانون، يقول المحامي أمين الباروت ليمن تايمز إنها تحمي المستأجر من رفع الإيجار ومن إخراجه تحت مسمى انتهاء العقد. إلا أن عيبها الوحيد يكمن في أنها مؤقتة، أي أنها تنطبق على فترة الحرب والكوارث الطبيعية التي تؤدي إلى النزوح وانقطاع الدخل، فيما تُعطل خلال الأوقات الطبيعية.
بعض ملاك المنازل يتجاوبون وينفذون القرارات، أما من لا يتجاوب، فيمكن للمستأجر أن يرفع تقريراً بحقه لقسم الشرطة في الحي لتحميله كامل المسؤولية والعقوبة
ويضيف الباروت: “في هذا القانون، الجهة المعنية بتنفيذه هي القضاء، ويتوجب على مجلس القضاء والتفتيش القضائي التعميم بتنفيذ القانون، وعلى المحاكم الالتزام بتنفيذه من تاريخ صدوره وفقاً لما نص فيه”
ويتابع المحامي قائلاً: “إن القانون لا يحتاج إلى لجنة لتنفيذه، لأنه يقع على عاتق الجهة المعنية بالقانون تنفيذه، وهو دائم لظروف الحرب والكوارث، سواء تلك التي نعيشها الآن أو أي حروب أو كوارث جديده لا قدر الله. والإيجار ليس محكوماً بسنة جديدة، بل يحكمه عقد، ووفقاً لتعديل القانون، فإن العقد يتجدد تلقائياً للفترة نفسها وبالإيجار نفسه. فلا يحق للمؤجر أن يقول انتهى العقد أو رُفع الإيجار”.
أزمة سكن
ويشكو عدد من الموطنين استغلال المؤجرين لأزمة انعدام توفر شقق وكثرة الطلب عليها. كما يشكون بأن القوانين لا تنفذ على أرض الواقع.
لكن عثمان صالح الصايدي، عاقل حارة الغولة بمنطقة فج عطان، يقول: “إذا جاءتنا شكوى من مستأجر في الحي، نذهب معه للمؤجر، ونحضر للمؤجر قرارات مجلس النواب وحكومة الإنقاذ التي تنص على منع إخراج أي مستأجر أو رفع الإيجار.
ويضيف الصايدي أن بعض ملاك المنازل يتجاوبون وينفذون القرارات، أما من لا يتجاوب، فيمكن للمستأجر أن يرفع تقريراً بحقه لقسم الشرطة في الحي لتحميله كامل المسؤولية والعقوبة.
بعد تعديل قانون المؤجر والمستأجر، راح المستأجرون يتعاملون مع القانون بإيجابية، على اعتبار أنه يساعد على وقف تجاوزات ملّاك العقارات السكنية واستغلالهم الوضع الراهن في صنعاء. إلا أنهم ما زالوا يخشون أن يبقى القانون حبراً على ورق، علماً بأن الأيام المقبلة كفيلة بإيضاح مدى الجدية والحزم في تطبيق القوانين.